يتساءل الكاتب فريدلاند في بداية مقاله إن كانت حرب غزة ستستمر إلى الأبد. رغم أن السؤال يبدو بلاغيًا، إلا أنه يعكس قلقًا حقيقيًا من تحول هذه الحرب إلى صراع دائم منخفض الحدة، يُدمج في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأوسع، كما كانت "الاضطرابات" في إيرلندا الشمالية خلفية مزمنة للواقع السياسي هناك. وفي هذا الكابوس المستمر، يتخيّل الكاتب بقاء بنيامين نتنياهو في السلطة حتى بلوغه المئة، بعد أن شغل منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي لنحو 18 عامًا متقطعة.
ويواصل الكاتب في صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن الغالبية العظمى من الإسرائيليين لا ترغب في استمرار الحرب ولا في استمرار نتنياهو؛ نحو 74% يريدون إنهاء الحرب فورًا، ونسبة صغيرة فقط تثق به. حتى بعض شركائه في الحكومة، مثل قادة الأحزاب الحريدية، لم يعودوا يفهمون "سبب القتال"، وفق تعبير أحدهم بعد انسحاب كتلته من الائتلاف بسبب فشل الحكومة في تمرير قانون يُعفي الشباب الحريديم من الخدمة العسكرية بشكل دائم.
الكلفة الإنسانية للحرب تظهر يوميًا: عشرات الفلسطينيين يُقتلون في غزة، كثيرون أثناء وقوفهم في طوابير الغذاء والماء. تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى مقتل نحو 800 شخص خلال ستة أسابيع فقط في محيط مراكز توزيع الغذاء، معظمهم قُتلوا قرب مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي أنشئ بديلًا عن الأمم المتحدة بزعم منع وصول المساعدات إلى حماس. لم يَدّعِ حتى أشد مؤيدي إسرائيل أن القتلى من المسلحين؛ بل كانوا مدنيين لا يشكّلون أي تهديد.
في الداخل الإسرائيلي، تعني الحرب المستمرة خسارة المزيد من الجنود الشباب (عدا الحريديم)، واستمرار معاناة نحو 20 إسرائيليًا لا يزالون محتجزين لدى حماس في غزة. لهذا السبب تطالب الأغلبية بوقف الحرب.
لكن لماذا لا تنتهي؟ يشير فريدلاند إلى أن احتمالات إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى باتت أقرب من أي وقت مضى، لأسباب تكشف الكثير.
مع اقتراب عطلة الكنيست، يصبح إسقاط الحكومة أمرًا أكثر تعقيدًا إجرائيًا خلال الشهور الثلاثة التالية. هذا يعني أن نتنياهو سيصبح أقل عرضة لضغوط شركائه اليمينيين المتطرفين مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين هددوا مرارًا بالانسحاب من الحكومة إذا وافق على أي اتفاق يُنهي الحرب. هذا التوقيت يوحي بأن نتنياهو ربما يستغل فترة الهدوء البرلماني لتمرير اتفاق كان يرفضه سابقًا حفاظًا على بقائه السياسي.
تحقيق استقصائي شامل لصحيفة نيويورك تايمز دعم هذه الفرضية بأدلة موثقة، مؤكداً أن نتنياهو أطال أمد الحرب من أجل البقاء في السلطة. ففي أبريل 2024، كان يستعد لتقديم اقتراح لوقف إطلاق النار لستة أسابيع يتضمن إطلاق أكثر من 30 أسيرًا، مع بدء مفاوضات لتسوية دائمة. لكن محضر الاجتماع يُظهر أن سموتريتش حذّر من انهيار الحكومة إذا قُبل الاتفاق، فتراجع نتنياهو وسُحب الاقتراح.
في ذلك الوقت، بلغ عدد القتلى في غزة 35 ألفًا، واليوم يُقدّر العدد بنحو 58 ألفًا. ربما لم يكن الاتفاق لينجح، وربما كانت حماس سترفضه، لكن الفرصة كانت متاحة، واحتمال إنقاذ 23 ألف روح كان قائمًا.
ليست هذه المرة الوحيدة. في يوليو 2024، اجتمع وسطاء دوليون في روما استعدادًا لاتفاق وشيك، لكن نتنياهو أفشل المبادرة بإضافة ستة شروط جديدة، بعد تهديد جديد من بن غفير بعدم القبول بـ"اتفاق متهور".
الكاتب يرى أن هذه السلسلة من التصرفات تُظهر بوضوح أن نتنياهو اختار إنقاذ نفسه سياسيًا على حساب أرواح المدنيين والأسرى. ورغم فداحة ذلك، قد يُعيد طرح نفسه في الانتخابات المقبلة كبطل الأمن القومي، مستندًا إلى النجاحات الإقليمية ضد حزب الله، ونظام الأسد، وضربات موجعة لإيران، مع استمراره في تحميل الآخرين مسؤولية فشل 7 أكتوبر.
في حوار مع الصحفية الإسرائيلية المخضرمة إيلانا دايان، قالت إن الإسرائيليين بدأوا أخيرًا في تجاوز صدمة 7 أكتوبر وطرح الأسئلة الصعبة بشأن القيادة والحرب والكارثة في غزة. لكن التاريخ، كما ترى، لن يُحاسب نتنياهو وحده، بل سيُحاسب الإسرائيليين أيضًا.
ويختم فريدلاند بأن أول من يجب أن يُحاسب هو نتنياهو، الذي امتلك قرار الحرب والسلام، واختار استمرار الموت من أجل بقاء حياته السياسية. ويجب أن يلاحقه هذا العار حتى نهاية عمره.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jul/18/benjamin-netanyahu-israel-ceasefire-deal